باب المعراج
3674 حدثنا هدبة بن خالد حدثنا همام بن يحيى حدثنا قتادة عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة رضي الله عنهما أن نبي الله صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به بينما أنا في الحطيم وربما قال في الحجر مضطجعا إذ أتاني آت فقد قال وسمعته يقول فشق ما بين هذه إلى هذه فقلت للجارود وهو إلى جنبي ما يعني به قال من ثغرة نحره إلى شعرته وسمعته يقول من قصه إلى شعرته فاستخرج قلبي ثم أتيت بطست من ذهب مملوءة إيمانا فغسل قلبي ثم حشي ثم أعيد ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض فقال له الجارود هو البراق يا أبا حمزة قال أنس نعم يضع خطوه عند أقصى طرفه فحملت عليه فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت فإذا فيها آدم فقال هذا أبوك آدم فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح ثم صعد بي حتى أتى السماء الثانية فاستفتح قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت إذا يحيى وعيسى وهما ابنا الخالة قال هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما فسلمت فردا ثم قالا مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم صعد بي إلى السماء الثالثة فاستفتح قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت إذا يوسف قال هذا يوسف فسلم عليه فسلمت عليه فرد ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم صعد بي حتى أتى السماء الرابعة فاستفتح قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل أوقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت إلى إدريس قال هذا إدريس فسلم عليه فسلمت عليه فرد ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم صعد بي حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء فلما خلصت فإذا هارون قال هذا هارون فسلم عليه فسلمت عليه فرد ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم صعد بي حتى أتى السماء السادسة فاستفتح قيل من هذا قال جبريل قيل من معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قال مرحبا به فنعم المجيء جاء فلما خلصت فإذا موسى قال هذا موسى فسلم عليه فسلمت عليه فرد ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح فلما تجاوزت بكى قيل له ما يبكيك قال أبكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي ثم صعد بي إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد بعث إليه قال نعم قال مرحبا به فنعم المجيء جاء فلما خلصت فإذا إبراهيم قال هذا أبوك فسلم عليه قال فسلمت عليه فرد السلام قال مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح ثم رفعت إلي سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر وإذا ورقها مثل آذان الفيلة قال هذه سدرة المنتهى وإذا أربعة أنهار نهران باطنان ونهران ظاهران فقلت ما هذان يا جبريل قال أما الباطنان فنهران في الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات ثم رفع لي البيت المعمور ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل فأخذت اللبن فقال هي الفطرة التي أنت عليها وأمتك ثم فرضت علي الصلوات خمسين صلاة كل يوم فرجعت فمررت على موسى فقال بما أمرت قال أمرت بخمسين صلاة كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم وإني والله قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فرجعت فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى فقال مثله فرجعت فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى فقال مثله فرجعت فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى فقال مثله فرجعت فأمرت بعشر صلوات كل يوم فرجعت فقال مثله فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم فرجعت إلى موسى فقال بم أمرت قلت أمرت بخمس صلوات كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم وإني قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك قال سألت ربي حتى استحييت ولكني أرضى وأسلم قال فلما جاوزت نادى مناد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي
الشروح
- ص 242 - قوله : ( باب المعراج ) كذا للأكثر ، وللنسفي " قصة المعراج " وهو بكسر الميم وحكي ضمها من عرج بفتح الراء يعرج بضمها إذا صعد . وقد اختلف في وقت المعراج فقيل : كان قبل المبعث ، وهو شاذ إلا إن حمل على أنه وقع حينئذ في المنام كما تقدم ، وذهب الأكثر إلى أنه كان بعد المبعث . ثم اختلفوا فقيل : قبل الهجرة بسنة قاله ابن سعد وغيره وبه جزم النووي ، وبالغ ابن حزم فنقل الإجماع فيه ، وهو مردود فإن في ذلك اختلافا كثيرا يزيد على عشرة أقوال ، منها ما حكاه ابن الجوزي أنه كان قبلها بثمانية أشهر ، وقيل بستة أشهر وحكى هذا الثاني أبو الربيع بن سالم ، وحكى ابن حزم مقتضى الذي قبله لأنه قال : كان في رجب سنة اثنتي عشرة من النبوة ، وقيل بأحد عشر شهرا جزم به إبراهيم الحربي حيث قال : كان في ربيع الآخر قبل الهجرة بسنة ، ورجحه ابن المنير في شرح السيرة لابن عبد البر ، وقيل : قبل الهجرة بسنة وشهرين حكاه ابن عبد البر وقيل : قبلها بسنة وثلاثة أشهر - ص 243 - حكاه ابن فارس ، وقيل : بسنة وخمسة أشهر قاله السدي وأخرجه من طريقه الطبري والبيهقي ، فعلى هذا كان في شوال ، أو في رمضان على إلغاء الكسرين منه ومن ربيع الأول وبه جزم الواقدي ، وعلى ظاهره ينطبق ما ذكره ابن قتيبة وحكاه ابن عبد البر أنه كان قبلها بثمانية عشر شهرا ، وعند ابن سعد عن ابن أبي سبرة أنه كان في رمضان قبل الهجرة بثمانية عشر شهرا ، وقيل : كان في رجب حكاه ابن عبد البر وجزم به النووي في الروضة ، وقيل : قبل الهجرة بثلاث سنين حكاه ابن الأثير ، وحكى عياض وتبعه القرطبي والنووي عن الزهري أنه كان قبل الهجرة بخمس سنين ورجحه عياض ومن تبعه واحتج بأنه لا خلاف أن خديجة صلت معه بعد فرض الصلاة ، ولا خلاف أنها توفيت قبل الهجرة إما بثلاث أو نحوها وإما بخمس ، ولا خلاف أن فرض الصلاة كان ليلة الإسراء . قلت : في جميع ما نفاه من الخلاف نظر ، أما أولا فإن العسكري حكى أنها ماتت قبل الهجرة بسبع سنين وقيل : بأربع ، وعن ابن الأعرابي أنها ماتت عام الهجرة . وأما ثانيا فإن فرض الصلاة اختلف فيه فقيل : كان من أول البعثة وكان ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي ، وإنما الذي فرض ليلة الإسراء الصلوات الخمس . وأما ثالثا فقد تقدم في ترجمة خديجة في الكلام على حديث عائشة في بدء الخلق أن عائشة جزمت بأن خديجة ماتت قبل أن تفرض الصلاة ، فالمعتمد أن مراد من قال : بعد أن فرضت الصلاة ما فرض قبل الصلوات الخمس إن ثبت ذلك ، ومراد عائشة بقولها : ماتت قبل أن تفرض الصلاة أي الخمس ، فيجمع بين القولين بذلك ، ويلزم منه أنها ماتت قبل الإسراء . وأما رابعا ففي سنة موت خديجة اختلاف آخر ، فحكى العسكري عن الزهري أنها ماتت لسبع مضين من البعثة ، وظاهره أن ذلك قبل الهجرة بست سنين ، فرعه العسكري على قول من قال : إن المدة بين البعثة والهجرة كانت عشرا .
قوله : ( عن أنس ) تقدم في أول بدء الخلق من وجه آخر عن قتادة " حدثنا أنس " .
قوله : ( عن مالك بن صعصعة ) أي ابن وهب بن عدي بن مالك الأنصاري من بني النجار ، ما له في البخاري ولا في غيره سوى هذا الحديث ، ولا يعرف من روى عنه إلا أنس بن مالك .
قوله : ( حدثه عن ليلة أسري ) كذا للأكثر ، وللكشميهني " أسري به " وكذا للنسفي ، وقوله " أسري به " صفة ليلة أي أسري به فيها .
قوله : ( في الحطيم وربما قال في الحجر ) هو شك من قتادة كما بينه أحمد عن عفان عن همام ولفظه " بينا أنا نائم في الحطيم ، وربما قال قتادة : " في الحجر " والمراد بالحطيم هنا الحجر ، وأبعد من قال : المراد به ما بين الركن والمقام أو بين زمزم والحجر ، وهو وإن كان مختلفا في الحطيم هل هو الحجر أم لا كما تقدم قريبا في " باب بنيان الكعبة " لكن المراد هنا بيان البقعة التي وقع ذلك فيها ، ومعلوم أنها لم تتعدد لأن القصة متحدة لاتحاد مخرجها ، وقد تقدم في أول بدء الخلق بلفظ " بينا أنا عند البيت " وهو أعم ، ووقع في رواية الزهري عن أنس عن أبي ذر " فرج سقف بيتي وأنا بمكة " وفي رواية الواقدي بأسانيده أنه أسري به من شعب أبي طالب ، وفي حديث أم هانئ عند الطبراني أنه بات في بيتها قال : ففقدته من الليل فقال : إن جبريل أتاني والجمع بين هذه الأقوال أنه نام في بيت أم هانئ ، وبيتها عند شعب أبي طالب ، ففرج سقف بيته - وأضاف البيت إليه لكونه كان يسكنه - فنزل منه الملك فأخرجه من البيت إلى المسجد فكان به مضطجعا وبه أثر النعاس ; ثم أخرجه الملك إلى باب المسجد فأركبه البراق . وقد وقع في مرسل الحسن عند ابن إسحاق أن جبريل أتاه فأخرجه إلى المسجد فأركبه - ص 244 - البراق ، وهو يؤيد هذا الجمع . وقيل : الحكمة في نزوله عليه من السقف الإشارة إلى المبالغة في مفاجأته بذلك ، والتنبيه على أن المراد منه أن يعرج به إلى جهة العلو .
قوله : ( مضطجعا ) زاد في بدء الخلق " بين النائم واليقظان " وهو محمول على ابتداء الحال ، ثم لما أخرج به إلى باب المسجد فأركبه البراق استمر في يقظته ، وأما ما وقع في رواية شريك الآتية في التوحيد في آخر الحديث " فلما استيقظت " فإن قلنا بالتعدد فلا إشكال ، وإلا حمل على أن المراد بـ " استيقظت " أفقت ، أي أنه أفاق مما كان فيه من شغل البال بمشاهدة الملكوت ورجع إلى العالم الدنيوي . وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة : لو قال - صلى الله عليه وسلم - إنه كان يقظا لأخبر بالحق ، لأن قلبه في النوم واليقظة سواء ، وعينه أيضا لم يكن النوم تمكن منها ، لكنه تحرى - صلى الله عليه وسلم - الصدق في الإخبار بالواقع ، فيؤخذ منه أنه لا يعدل عن حقيقة اللفظ للمجاز إلا لضرورة .
قوله : ( إذ أتاني آت ) هو جبريل كما تقدم ، ووقع في بدء الخلق بلفظ " وذكر بين الرجلين " وهو مختصر ، وقد أوضحته رواية مسلم من طريق سعيد عن قتادة بلفظ إذ سمعت قائلا يقول : أحد الثلاثة بين الرجلين ، فأتيت فانطلق بي وتقدم في أول الصلاة أن المراد بالرجلين حمزة وجعفر وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان نائما بينهما ، ويستفاد منه ما كان فيه - صلى الله عليه وسلم - من التواضع وحسن الخلق ، وفيه جواز نوم جماعة في موضع واحد ، وثبت من طرق أخرى أنه يشترط أن لا يجتمعوا في لحاف واحد - عند النوم - .
قوله : ( فقد ) بالقاف والدال الثقيلة ( قال وسمعته يقول : فشق ) القائل قتادة والمقول عنه أنس ، ولأحمد " قال قتادة : وربما سمعت أنسا يقول فشق " .
قوله : ( فقلت للجارود ) لم أر من نسبه من الرواة ، ولعله ابن أبي سبرة البصري صاحب أنس ، فقد أخرج له أبو داود من روايته عن أنس حديثا غير هذا .
قوله : ( من ثغرة ) بضم المثلثة وسكون المعجمة ، وهي الموضع المنخفض الذي بين الترقوتين .
قوله : ( إلى شعرته ) بكسر المعجمة أي شعر العانة ، وفي رواية مسلم " إلى أسفل بطنه " وفي بدء الخلق " من النحر إلى مراق بطنه " وتقدم ضبطه في أوائل الصلاة .
قوله : ( من قصه ) بفتح القاف وتشديد المهملة أي رأس صدره .
قوله : ( إلى شعرته ) ذكر الكرماني أنه وقع " إلى ثنته " بضم المثلثة وتشديد النون ما بين السرة والعانة ، وقد استنكر بعضهم وقوع شق الصدر ليلة الإسراء وقال : إنما كان ذلك وهو صغير في بني سعد ، ولا إنكار في ذلك ، فقد تواردت الروايات به . وثبت شق الصدر أيضا عند البعثة كما أخرجه أبو نعيم في " الدلائل " ولكل منها حكمة ، فالأول وقع فيه من الزيادة كما عند مسلم من حديث أنس " فأخرج علقمة فقال : هذا حظ الشيطان منك " وكان هذا في زمن الطفولية فنشأ على أكمل الأحوال من العصمة من الشيطان ، ثم وقع شق الصدر عند البعث زيادة في إكرامه ليتلقى ما يوحى إليه بقلب قوي في أكمل الأحوال من التطهير ، ثم وقع شق الصدر عند إرادة العروج إلى السماء ليتأهب للمناجاة ، ويحتمل أن تكون الحكمة في هذا الغسل لتقع المبالغة في - ص 245 - الإسباغ بحصول المرة الثالثة كما تقرر في شرعه - صلى الله عليه وسلم - ويحتمل أن تكون الحكمة في انفراج سقف بيته الإشارة إلى ما سيقع من شق صدره وأنه سيلتئم بغير معالجة يتضرر بها . وجميع ما ورد من شق الصدر واستخراج القلب وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة مما يجب التسليم له دون التعرض لصرفه عن حقيقته لصلاحية القدرة فلا يستحيل شيء من ذلك ، قال القرطبي في " المفهم " : لا يلتفت لإنكار الشق ليلة الإسراء ؛ لأن رواته ثقات مشاهير ، ثم ذكر نحو ما تقدم .
قوله : ( بطست ) بفتح أوله وبكسره وبمثناة وقد تحذف وهو الأكثر وإثباتها لغة طيئ ، وأخطأ من أنكرها .
قوله : ( من ذهب ) خص الطست لكونه أشهر آلات الغسل عرفا ، والذهب لكونه أعلى أنواع الأواني الحسية وأصفاها ، ولأن فيه خواص ليست لغيره ويظهر لها هنا مناسبات : منها أنه من أواني الجنة ومنها أنه لا تأكله النار ولا التراب ولا يلحقه الصدأ ، ومنها أنه أثقل الجواهر فناسب ثقل الوحي . وقال السهيلي وغيره : إن نظر إلى لفظ الذهب ناسب من جهة إذهاب الرجس عنه ، ولكونه وقع عند الذهاب إلى ربه ، وإن نظر إلى معناه فلوضاءته ونقائه وصفائه ولثقله ورسوبته ، والوحي ثقيل قال الله تعالى : إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ، فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ولأنه أعز الأشياء في الدنيا ، والقول هو الكتاب العزيز ، ولعل ذلك كان قبل أن يحرم استعمال الذهب في هذه الشريعة ولا يكفي أن يقال : إن المستعمل له كان ممن لم يحرم عليه ذلك من الملائكة ؛ لأنه لو كان قد حرم عليه استعماله لنزه أن يستعمله غيره في أمر يتعلق ببدنه المكرم . ويمكن أن يقال : إن تحريم استعماله مخصوص بأحوال الدنيا ، وما وقع في تلك الليلة كان الغالب أنه من أحوال الغيب فيلحق بأحكام الآخرة .
قوله : ( مملوءة ) كذا بالتأنيث ، وتقدم في أول الصلاة البحث فيه .
قوله : ( إيمانا ) زاد في بدء الخلق " وحكمة " وهما بالنصب على التمييز ، قال النووي : معناه أن الطست كان فيها شيء يحصل به زيادة في كمال الإيمان وكمال الحكمة وهذا الملء يحتمل أن يكون على حقيقته ، وتجسيد المعاني جائز كما جاء أن سورة البقرة تجيء يوم القيامة كأنها ظلة ، والموت في صورة كبش ، وكذلك وزن الأعمال وغير ذلك من أحوال الغيب . وقال البيضاوي : لعل ذلك من باب التمثيل ، إذ تمثيل المعاني قد وقع كثيرا ، كما مثلت له الجنة والنار في عرض الحائط ، وفائدته كشف المعنوي بالمحسوس .
وقال ابن أبي جمرة : فيه أن الحكمة ليس بعد الإيمان أجل منها ، ولذلك قرنت معه ، ويؤيده قوله تعالى : ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وأصح ما قيل في الحكمة أنها وضع الشيء في محله ، أو الفهم في كتاب الله ، فعلى التفسير الثاني قد توجد الحكمة دون الإيمان وقد لا توجد ، وعلى الأول فقد يتلازمان ؛ لأن الإيمان يدل على الحكمة .
قوله : ( فغسل قلبي ) في رواية مسلم " فاستخرج قلبي فغسل بماء زمزم " وفيه فضيلة ماء زمزم على جميع المياه ، قال ابن أبي جمرة : وإنما لم يغسل بماء الجنة لما اجتمع في ماء زمزم من كون أصل مائها من الجنة ثم استقر في الأرض فأريد بذلك بقاء بركة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأرض . وقال السهيلي : لما كانت زمزم هزمة جبريل روح القدس لأم إسماعيل جد النبي - صلى الله عليه وسلم - ناسب أن يغسل بمائها عند دخول حضرة القدس ومناجاته ومن المناسبات المستبعدة قول بعضهم : إن الطست يناسب طس تلك آيات القرآن